في معرض الفنان أكرم زعتري

نظرة عامة

افتتحت مؤسسة الشارقة للفنون، ضمن برنامجها لخريف 2019 معرض «أكرم الزعتري: في مقابل التصوير.. تاريخ المؤسسة العربية للصورة المشروح»، والذي يستمر حتى 10 يناير/ كانون الثاني 2020، في الرواقين 3 و4 في ساحة المريجة. يقام المعرض بالتعاون مع متحف الفن الحديث في برشلونة والمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في كوريا، وهو من تقييم هيواي شو وبارتومو ماري.

يعتبر هذا المعرض تأملاً في الصورة الفوتوغرافية من خلال مقتنيات المؤسسة العربية للصورة، حيث شكّلت هذه المؤسسة على مدار السنوات العشرين الماضية، الإطار الذي عمل من خلاله الفنان أكرم الزعتري على تطوير مشاريعه و أبحاثه في مجال الصورة.

ساهم الزعتري عام 1997 في تأسيس «المؤسسة العربية للصورة»، بغية احتواء وتنظيم نشاط جمع الصور الفوتوغرافية، ومنحه إطاراً مؤسساتياً، وتوجيهه نحو طرق متعددة للاقتناء، بما يخدم الهدف الأساسي للمؤسسة المتمثل ببناء مجموعة تمثل التصوير وتاريخه في العالم العربي.

يضم المعرض أعمالاً عديدة للزعتري ساهمت في توسيع فهمنا للتصوير الفوتوغرافي ووظيفته وبيئته الاجتماعية، وذلك من خلال الأبحاث الفوتوغرافية من جهة، ودراسة نمو المؤسسة ومقتنياتها وخطابها والنقاش فيها خلال عشرين عاماً، من جهة أخرى.

تتجلى مقتنيات المؤسسة العربية للصورة في المعرض بأشكال عديدة، منها على سبيل المثل إعادة إنتاج صور مختارة تشكل أهمية بالغة بالنسبة للزعتري، وهو الأمر الذي يعبر عن الأسلوب البشري في استقراء الصورة وناسها وزمانها، ففي العمل الذي يحمل عنوان «أساس الطبقية» يسلط الفنان الضوء على غياب الطبقة المصرية العاملة في صور أمهر المصورين في الأربعينات، حيث يعرض العمل صورة سياحية التقطت عند الأهرامات، ويظهر فيها عدد من العمال برفقة سياح، إلا أن المصور لم يبذل أي جهد لإظهار معالم وجوه العمال الذين يمسكون بالإبل، لذلك قام الزعتري برش دهان أسود على وجوهم تشديداً على إخفائها في الصورة.

أما عمل «ظل المصور» فيركز على إحدى الحالات المتكررة في صور عديدة من مجموعة المؤسسة، وهي ظهور ظل المصور جلياً في الصورة الملتقطة، وهي سمة ميزت العديد من الصور العائلية في بدايات تسويق الكاميرا للاستخدام المنزلي، حيث كان يطلب من مستخدمي الكاميرا إبقاء أشعة الشمس خلفهم لصورة أفضل، من دون تنبيههم إلى أن ظلهم قد يسقط على من في الصورة.

فيما تعيد سلسلة «رجال يتصورون أثناء عبورهم جسر عين الحلوة»، صياغة مشروع سابق للزعتري بعنوان «المركبة: تصوير لحظات الانتقال والتحول في مجتمع الحداثة»، والذي ينظر في اثنين من الاختراعات المهمة في العصر الحديث: الكاميرا والمركبة الآلية، ففي أوائل الخمسينات من القرن العشرين، تم بناء جسر خرساني صغير في وسط الحقول الزراعية بالقرب من عين الحلوة في صيدا، جنوب لبنان، ووفر الجسر الجديد للمشاة امتداداً لمنتزهاتهم، بعيداً عن المسارات الموحلة المعتادة، وكان المصور هاشم المدني يتردد على هذا الموقع، ويعرض على المتنزهين خدماته بتصويرهم مقابل أجر زهيد، فكان المشاة يتخذون وضعيات مع أصدقائهم ودراجاتهم النارية والسيارات أو الشاحنات العابرة، وقد وفر لهم الجسر الخلفية الحديثة المطلوبة.

وفي سبيل استكشاف الصورة كمادة، تقدم الأعمال الأخرى في المعرض صوراً مقربة «كلوز آب» مأخوذة بكاميرا 35 مم وصفائح سالبة بأحجام مختلفة، وتحمل هذه المواد في بعض الأحيان آثاراً من التنقيح، أو بصمات المصور، أو شريطاً لاصقاً، في حين تعرض بعضها للتلف والتآكل جراء ظروف خارجية، أو أن الزمن قد عفا عليها بكل بساطة، ويبين العمل المعنون «النحت مع الزمن» كيف تتفاعل الصور السالبة التي تحتوي على مادة السليولوز مع تغير درجات الحرار والرطوبة، بما يجعلها تتجعد وتلتف، الأمر الذي يؤدي إلى انزلاق الطبقة الحساسة للضوء عن الطبقة الحاملة لها، حيث يظهر العمل لقطات مقربة لصورتين سلبيتين تحوّرتا مع مرور الوقت فأنتجتا قنواتٍ وفقاعات هوائية.

فيما يُظهر عمل «وجوه لوجوه» مجموعة من البورتريهات التقطها المصور المقيم في طرابلس أنترانيك أنوشيان في أوائل الأربعينيات، وعثر عليها الباحث محسن يمين وهي ملتصقة ببعضها البعض، حيث يختار الزعتري أزواجاً من الصفائح الزجاجية تظهر جنوداً فرنسيين مدموجين مع غيرهم من الأناس العاديين من مواطني طرابلس، فتتراءى لنا وجوه الجنود الفرنسيين في زيهم العسكري من خلال بورتريهات أفراد المجتمع الذين كانوا يحكمونه في ذلك الوقت.

كما يضم المعرض فيلمي «عن الصورة والناس والزمن الحديث» و«عن الصورة والفقدان وزمن النضال»، اللذان يقدمان المواد الفوتوغرافية بوصفها وعاءً للتواريخ الشخصية وراوياً لها، ويظهران بحث الزعتري عن الصور ضمن المؤسسة العربية للصورة، ويمثلان لبنة أساسية في فهم موقفه المنحاز إلى الدور الاجتماعي الذي تلعبه الصور والأرشيف.
يروي «عن الصورة والناس ولزمن الحديث» بعضاً من القصص المتعلقة بمجموعات الصور الفوتوغرافية التي قام الزعتري بالتنقيب عنها وتجميعها، ويتأمل في الحياتين اللتين تعيشهما الصور، الأولى في محيطها الأساسي أي لدى من جمعتهم بها روابط عاطفية، والثانية في بيئة تضمن حمايتها والحفاظ عليها من شتى أنواع المخاطر.
فيما يستكشف «عن الصورة والفقدان وزمن النضال» العلاقة بين الصور الفوتوغرافية والحرب، ويعرض خطر اختفاء الصور وزوالها، فتتناول شخصياته الرئيسية فترات الحروب التي مرت بها، وتتحدث عن صور التقطت في منتصف القرن العشرين، وذلك من خلال وسائط متعددة نراها في هذا الفيلم، من صور فوتوغرافية إلى أفلام سوبر 8 ملم، وأجهزة أي-باد وآي فون، وعبر توالي الصور واللقطات الواحدة تلو الأخرى، تتكون شبكة تجريدية ومعقدة، ولكن أيضاً متبصرة، عن الصراعات المندثرة والمنسية.