أغراض مختلطة (1968-1969)

لوثار بومغارتن
أغراض مختلطة (صورة تفصيلية)
1968-1969
مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون
الصورة بإذن من غاليري مارتن غودمان، نيويورك باريس ولندن وورثة الفنان

نظرة عامة

تملّكني الفضول منذ نعومة أظافري حول معنى "مقتنيات" المتحف.

أتذكر تماماً اللحظة التي رأيت فيها للمرة الأولى عمل الفنان الألماني لوثار بومغارتن "أغراض مختلطة" (1968-1969). كنت حينها فتى يتأرجح بين الشرق والغرب، التمعت عيناه بمجرد وقوعه على تحفة بومغارتن، والتي تبدّت كعرضٍ لشرائح دائرية، وشكلٍ من أشكال التكنولوجيا التي سبق أن عفا عليها الزمن، إلا أن قِدم التكنولوجيا لم يخفف من جاذبية الجلبة الناتجة عن كل شريحة أثناء دورانها في مكانها، ورأيت أمامي صوراً مألوفة وغريبة في آن معاً، لجماليات متحف بيت ريفرز في أوكسفورد، حيث اصطحبني والدي في إحدى العطلات حين كان يعمل مؤقتاً في المدينة. وبعيداً عن مساعدة المرشد النشط الذي أسبغ معانٍ على آلاف الأغراض المعروضة خلال زيارتي، وبين المعروضات المترامية على الجانبين وأوابد المجتمعات من الماضي السحيق خاوية من الحياة، بدأت أتساءل عن مغزى العناية بأي من هذه الأغراض ونوع التاريخ الذي تمثله.

يعد عمل "أغراض مختلطة" إضافة تذكارية جديدة إلى مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون، فهو يرمز إلى توجهها وميولها، إذ إن بومغارتن واحد من أعظم الفنانين المفاهيميين في عصره، ويحمل عمله ملامح مما أمسى فضاءً حيوياً لاشتغالي على نظرية ما بعد الكولونيالية، وإن كان سابقاً لتحول النظرية إلى مدرسة فكرية جمعية. كان عمل بومغارتن قد أتمَّ عقداً من الزمن تقريباً قبل صدور أيقونة إدوارد سعيد "الاستشراق" عام 1978، والذي أظهر الوصاية التي فرضتها الثقافة الغربية على الشرق "أو الآخر" في الأدب والفن والسرديات التاريخية. وأصبح جلياً بالنسبة إليّ من صغري أن التعليم الإنجليزي الأمريكي الذي تلقيته خلّف العديد من الثغرات أو النقاط العمياء التي يجب استدراكها. بعد فترة وجيزة، أصبحت المتاحف نقطة علّام بالنسبة إلي لتطوير طرق مختلفة من الرؤية، ورغم ندرة تلك المتاحف، بالنظر إلى أنني أمضيت معظم مراهقتي في مكان لا يحتكم على هكذا فضاءات، مقارنة بالفترة التي أصبحت فيها قادراً على السفر لدراسة "أغراض مختلطة" في مؤسسات ضخمة كالمتحف البريطاني ومتحف ميتروبوليتان للفنون، إذ أمسى متاحاً لي العودة إلى بومغارتن لأستفسر عما كان يمكن أن يجاور الأغراض "الفنية" أمامي حتى تحيا. أو بعبارة أخرى، كيف بالإمكان عرضها بطرق تعيدها إلى الحياة من جديد؟ إن ما تعلمناه من بومغارتن هو أن المقتنيات في المتاحف يمكن أن تكون مستودعات للحياة أو الموت، فهي أوابد تبقى عندما يقفل المعرض أبوابه، وهي نقاط العلام الأيقونية التي تواصل ظهورها المتجدد سعياً لتتماهى معها الأجيال المختلفة وتتأملها.

تسعى مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون بوصفها منارة فريدة في عالم الفن إلى تحقيق ممارسة الاقتناء المؤسسي ووضع أساس تاريخ الفن الذي ينتهج الأسلوب الشرقي/الشرقي والجنوبي/الجنوبي في الاقتناء. نشأت مقتنيات المؤسسة من أعمال مخصصة لمواقعها أنتجت لصالح بينالي الشارقة، ثم أضيف إليها أعمال أخرى من مختلف معارض المؤسسة وبرامجها، ومع مرور الزمن، تحول الأمر إلى خطة محكمة لرسم خريطة تاريخية عابرة للأجيال اعتباراً من عشرينيات القرن الماضي حتى الوقت الحاضر وباستخدام كل الوسائط الفنية الحديثة المعاصرة التي تخطر على البال، متخذة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا نقطة انطلاق لها، ساعية إلى إظهار سبل تجلي الأفكار في مختلف المناطق الجغرافية، عن طريق تواريخ مشتركة من الاضطرابات المرتبطة خصوصاً بالحرب والاستقلال والتحرر من الاستعمار والهوية السياسية والاجتماعية.

تتضمن استراتيجية الاقتناء جهوداً مركزة على التفكير في آليات العرض وطرقها التي يجب توظيفها في افتتاح مساحات تخزينية جديدة دائمة ومتحف مخصص للمقتنيات واللذان أعلن عنهما في العام الماضي. وفي هذه الأثناء، يمكن مشاهدة أعمال من المقتنيات في معارض مختلفة في مساحات العرض التابعة للمؤسسة وفي العديد من المعارض والبيناليهات بما فيها بينالي الشارقة. فعلى سبيل المثال، عرضت ثلاث لوحات مميزة من المقتنيات للفنان السوري الراحل مروان قصاب باشي في بينالي الشارقة 14، وعرضت أعمال أخرى من المقتنيات في معارض خارجية في جميع أنحاء العالم، وشكل ما يقارب عشرين عملاً للفنان الإماراتي حسن شريف الجزء الأكبر من معرض "فنان العمل الواحد" من تقييم رئيس المؤسسة حور القاسمي والمعروض حالياً في معهد كيه دبليو للفن المعاصر في برلين، وسابقاً في الشارقة عام 2017، وسيعرض لاحقاً في وغاليري كونستال في مالمو السويدية. بالإضافة إلى هذه المؤسسات، تشاركت المؤسسة أعمال من المقتنيات مع بيت الفن في ميونخ؛ ومتحف الفن الحديث في نيويورك؛ ومركز جميل للفنون في دبي وغيرها الكثير.

جرت في الوقت الحالي إعارة مركز جميل للفنون عدداً من أعمال الفنان الأميركي من أصول عراقية مايكل راكوفيتز منها فيلم "أغنية سبيشل أوبس كودي" (2017) المعروض حالياً في مركز جميل للفنون والذي يعد أحدث مقتنيات المؤسسة التي عرضت مؤخراً في بينالي الشارقة 14. وعلى غرار العديد من الفنانين أصحاب الأعمال ضمن المقتنيات، يملك راكوفيتز علاقة طويلة مع المؤسسة، بدأها بحضوره في بينالي الشارقة 8 (2007). وعرض مؤخراً في بينالي لاهور الثاني، وهو من تقييم حور القاسمي، وبينالي الشارقة 14: خارج السياق "أغنية سبيشل أوبس كودي" كتكليف لأول معرض فردي للفنان ضمن متحف في عام 2017 بعنوان فكاهي: ضربة خلفية للغرب. ويسعى راكوفيتز شأنه شأن بومغارتن إلى التساؤل حول السبل التي يقتلع فيها علم المتاحف التواريخ الشخصية والسياسية، حيث يظهر في هذا الفيديو " سبيشل أوبس كودي" كشخصية رئيسية وراوٍ رئيسي، على شكل محاكاة لجندي أميركي من أصول إفريقية أثناء حرب العراق الثانية، حيث يتجول كودي بين الرفوف وخزانات العرض الزجاجية في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو ويتفاعل مع منحوتات النذور في بلاد ما بين النهرين. أما " أغنية سبيشل أوبس كودي" فهي تعبر عن تاريخين متشعبين فرقتهما القرون الزمنية، أولهما عن مقدمة حاضرنا المستديم الذي يقبع فيه النزاع والصدمة اليومية جنباً إلى جنب مع فعاليات وسائل التواصل الاجتماعي مع إعلانات عن بضائع استهلاكية، وثانيهما عن الحضارات الغابرة وما حصل فيها من اندثار واقتلاع واختفاء نهائي. من الذي يملك ناصية هذه التواريخ؟ هل نملك هذه التواريخ حتى يحق لنا سردها؟

من المميز جداً أن نحظى بفرصة استضافة " أغنية سبيشل أوبس كودي" لراكوفيتز ضمن المقتنيات إلى جانب عمل "أغراض مختلطة" المقتنى حديثاً للفنان بومغارتن، فهما عملان يثبتان وجهتي نظر مختلفتين حول تاريخ علم المتاحف. وفي هذه الأوقات العصيبة من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يبدو أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى إيجاد مساحات إضافية يمكننا اللقاء فيها افتراضياً إن لم يكن واقعياً، لنشهد تجارب مختلفة ووجهات نظر متباينة من خلال الفن، وسنعمل خلال الأسابيع المقبلة على عرض أعمال من مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الصور والمنشورات والمدونات وعروض وأفلام مختارة على الانترنت ونأمل أن يتشعب هذا الأمر إلى وسائل أخرى أيضاً في السنوات المقبلة. وسوف نعرض إبان إطلاق المبادرة الرقمية عمل " أغنية سبيشل أوبس كودي" على الانترنت بموافقة كريمة من الفنان حتى يتسنى لجمهورنا العزيز رؤيتها من المنزل.

الدكتور عمر خليف، مدير المقتنيات وقيّم أول في مؤسسة الشارقة للفنون.

مواضيع ذات صلة

الفن ضرورة: مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون

أغراض مختلطة (1968-1969)

يستخدم عرض الشرائح "أغراض مختلطة" (1969) 81 صورة من متحف بيت ريفرز في أوكسفورد لتسليط الضوء على الطريقة التي تقوم فيها المتاحف الأوروبية والغربية بعرض "كنوزها" الإثنولوجية والأنثروبولوجية، وهو أول أعمال بومغارتن الذي يلعب فيه على وتر مجاورة الصورة مع النص.