لقاء مارس 2024: تواشجات

جمع "لقاء مارس 2024: تواشجات" بين ممارسي الثقافة من خلفيات ومناطق متنوعة في الفترة من 1 إلى 3 مارس. اجتمع أكثر من 80 مشاركاً دولياً يعملون في مختلف التخصصات، سواء في الفنون البصرية والأدب أو الموسيقى والسينما، وذلك في مدرسة خالد بن محمد في المناخ بالشارقة، بغرض تفكيك موضوعات المشاركة الجماعية، بما يتماشى مع الكلمة العربية تواشجات، في إشارة إلى "تشابك الأفكار". تناول اللقاء، بعد الكلمة الافتتاحية التي ألقتها حور القاسمي، رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، كيف يمكن للعمل التعاوني المشترك أن يعزز الفاعلية الفنية ويعيد تسليط الضوء على القضايا المعاصرة التي غالباً ما تتعرض للتهميش في سياق الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية.

 

كشف "لقاء مارس" عن فرص مترابطة للتفكير والحوار المشترك في آن معاً، وذلك من خلال المحاضرات والجلسات النقاشية والعروض الأدائية والقراءات والورش. كان الحاضرون والمنظمون يتقاسمون وجبات الطعام سوية كل يوم، ما يتيح لهم الفرصة للقاء والمناقشة وإقامة ارتباطات جديدة. تبادل المشاركون الحديث في سياق التفاعلات الجارية داخل الأماكن المعاد استخدامها في المبنى التاريخي وفنائه المركزي.

 

وعلى خلفية الصراع الجاري في المنطقة وخارجها، تطرقت الدورة 16 من "لقاء مارس" إلى الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، والدمار الثقافي المترافق مع تدمير البنية التحتية الذي لحق بالفلسطينيين، ووسّع "اللقاء" نطاق تضامنه ليشمل البشر المتضررين من الصراعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك السودان والكونغو وأرمينيا وكشمير وأجزاء أخرى من العالم. ومن خلال الجمع بين الممارسات المجسّدة التي تدمج بشكل واعٍ أشكالاً متنوعة من الإبداع الفني وبناء المجتمع، أبرز البرنامج أن القوة الوحيدة القادرة على تحدي هياكل اللامساواة بشكل فعال هي العمل الجماعي.

 

بدأ البرنامج الذي استمر على مدار ثلاثة أيام بجلسة نقاشية محفزة للتفكير بعنوان "القوة التحفيزية للمجموعات الفنية" أدارتها أمل خلف (مدیرة كیوبت فـي لندن، وقیّمة المعارض والممارسات العامة فـي غالیـري سربنتیـن، وقیمة
مشاركة في بینالي الشارقة 16). تحدث فيها كل من إيفيت أورلين (مدیرة فنیة، متحف كونستھالي فیینا، وعضو مجموعة "ماذا، وكیف، ولمن" التقییمیة) وصوفیا فیلینا أرایا ودینیـز كیـركالـي وامیلـي فیدل (مجموعة توب سویل) ومروان أندان (مجموعة روانغروبا)، حيث ركزوا على تفكيك النماذج الهرمية السائدة في عالم الفن. وتصور المشاركون طرقاً بديلة للتعاون يمكن أن تدعم تحقيق تصورات متحررة جديدة.

 

تلا ذلك جلسة عامة مع الكاتب طارق علي بعنوان "أن تكون في هذا العالم"، ركز فيها على صعوبة فصل السياسة عن الثقافة، موضحاً أن هذه الحالة كانت راسخة عالمياً، ولكن الفرق الآن هو أن التقنيات الجديدة تعمل على تسريع نقل الثقافة إلى الجماهير العالمية، متجاوزة قنوات الإعلام التقليدية التي غالباً ما تتلاعب بالسياق السردي. ولفت انتباه الجمهور إلى المأساة الحالية في غزة، التي تحدث على مقربة منا، والتي شعر أنها سيطرت على وعي العالم بفضل البث المباشر للصور. وقال علي إنه في مواجهة الأزمة، أمام المنتجين الثقافيين خيار أساسي بين التزام الصمت وتبرير القمع، أو تحدي الوضع بشكل نقدي في حدود قدراتهم.

 

قدمت الورش الديناميكية التي أقيمت بالتزامن مع الجلسات الحوارية والنقاشية المزيد من المشاركة العملية مع الأساليب التي تعيد تشكيل دور الفن في مجتمعاتنا وأوقاتنا. وقد تناولت مبادرة "إعادة تصور ممارسات المكتبات"، التي قادها أعضاء مجموعة "سيدز" الآثار التاريخية للمكتبات والنصوص المختلفة. أعادت الورشة النظر في أهمية هذه المكتبات وشاركت في تمارين لقراءة أكثر تجسيداً، وحثت الجمهور على استكشاف صيغ نصية أخرى مرغوبة.

 

وفي وقت لاحق من المساء، شارك الجمهور لحظة مؤثرة مع مصعب أبو توهة الذي لم يتمكن من السفر بسبب القيود المفروضة على وثائق الهوية الفلسطينية. انضم إلى اللقاء من القاهرة عبر مكالمة فيديو لقراءة بديعة من ديوانه الشعري الشهير "أشياء قد تجدها مخفية في أذني، قصائد من غزة". وروى مقاطع تؤرخ تعقيدات الحياة تحت الحصار في غزة، إلى جانب أعمال نظيره الكاتب والشاعر الفلسطيني الراحل رفعت العرعير. وفي نهاية هذا المقطع، ذكّر أبو توهة الجمهور بالجانب الفريد لما يحدث الآن في غزة، وهو أنه إبادة جماعية تظهر على الهواء مباشرة بدلاً من أن تكون مجرد لحظة من التاريخ. وأوضح أنه بغض النظر عن غيابنا الجسدي على الأرض، فنحن جميعاً جزء مما يحدث هناك، ولهذا السبب، فإن عملنا المشترك والجماعي والتضامن عبر الحدود أمر ملح وحاسم في التغلب على الاحتلال المستمر لفلسطين.

 

واختتم اليوم الأول بعرض الطهي الذي قدمته شيماء حمد بعنوان "ليس طعاماً". دعا العشاء الأدائي الجمهور إلى التأمل في معنى الموت وطقوس حالات الحداد من خلال تناول وجبة مشتركة، وذلك استلهاماً لملاحظاتها وتأملاتها حول كيفية مواجهة النساء في فلسطين الصعوبات. ومن خلال القيام بحركات إعداد العجين والعجن التي تشبه الحفر، شاركت الفنانة قصصاً من حياة النساء اللواتي اضطررن إلى حفر مكان للمتوفى. كشف العشاء المسائي الحزين بشكل شاعري عن إمكانية أن يصبح الطعام وسيلة للدعاء واللقاء المجتمعي.

 

وفي صباح اليوم التالي، تجمع المشاركون عبر مجموعات منظمة في الفناء. بدأ اليوم بجلسة نقاشية بعنوان "نحو بنى تحتية مناهضة للهيمنة" أدارتها زينب أوز (قیّمة مستقلة، وقیمة مشاركة فـي بینالـي الشارقة 16). أكد المتحدثون وهم: یزن الخلیلـي ولارا خالدي (مسألة التمویل)؛ یواكیم ھامو ونبیلة السعیدي (ترامبولین ھاوس)؛ لیا غوردون وأندریھ یوجـیـن (بینالي غیتو) على الشعور بالأمل في النضال. شاركوا تجارب وأعمال متنوعة، من فلسطين وهايتي إلى مجتمعات اللاجئين والمهاجرين في الدنمارك، بهدف إبراز إمكانات شاملة وشعبية وقدرة على عكس مبادئ تنظيمية مناهضة للهيمنة يمكن أن تتواجد داخل البنى التحتية الفنية.

 

وفي فترة الظهيرة، مزجت جمانة إميل عبود الحكاية الشعبية وأساطير متعلقة بمصادر المياه مع التجربة المعاشة في الوقت الحاضر في عرضها الأدائي الناطق بعنوان "أبو النجوم وأمّ أحد الأيام" الذي يظهر كترياق ثقافي في مواجهة ندوب النزوح. حملت الفنانة إناءً مملوءاً بالماء بين الجمهور، ووضعت الماء في يدها ووزعته على الحاضرين، وطلبت منهم توزيعه على الناس كرمز لعمليات سرد القصص التي شاركنا في تأليفها والتي يمكنها أن تحتضن ذواتنا المتشظية من عبء التاريخ المختلّ.

 

وانطلق اليوم الثالث والأخير بجلسة بعنوان "الهوية والذاكرة والماديّ" أدارتها هدية نادر بدري (منسقة أولى للبرنامج التعلیمي للكبار، مؤسسة الشارقة للفنون)، وشارك فيها كل من أيان سيلمي، وفوزية إسماعيل (مجموعة ضاكان)؛ سوليداد مونيوز، ماثيو أسامينو (مجموعة ووفن میموري)؛ ماريا خوسيه موريللو (مجموعة نوكانشيس)؛ وياسمين المجالي (مجموعة نول). بدأت الجلسة بمقولة لجيمس بالدوين: "إن دور الفنان هو بالضبط نفس دور المحب. إذا كنت أحبك، يجب أن أجعلك واعياً بالأشياء التي لا تراها".

 

واستكشف المتحدثون تقاطع ممارسات الفن المعاصر والهوية الثقافية والذاكرة الجماعية من خلال الطابع المادي والملموس للنسيج والموارد المادية المركزية للأنظمة الرأسمالية العالمية. وفي سياق مماثل، أقيمت ورشة موازية "تصميمك... قصتك" تحت إشراف نسرين أبو ديل ونرمين أبو ديل من مجموعة نقش في عمان بدراسة تصور الأفكار والقصص من خلال مواد التطريز والحجر والخشب والمعادن التي تجمع بين تصاميم تقليدية مع جماليات معاصرة. أدت الجلسة خلال تمرين تشاركي إلى تجسيد قصصنا المشتركة من خلال الاستخدام الفني لمواد مثل الخيوط واللباد.

 

بعد ثلاثة أیام من المتابعة والمشاركة في برامج "لقاء مارس 2024: تواشجات"، قدّمت الفنانات والكاتبات بومیكا غادادا، وشازیا سلام، ولبنى أنصاري، وفاطمة الجرمن ملاحظات نقدیة على نسخة ھذا العام. تعمقت المشاركات في تحلیل برنامج "تواشجات" من خلال التأكید على الجھود الجماعیة كمنھجیة مركزیة - تشمل المشاھدة، والإنتاج الإبداعي، والتعبئة ودعم الممارسة - والتي ترتكز على القیم المشتركة وتوحید الموارد.

زينب أوز القيّمة المشاركة في بينالي الشارقة 16، وقيّمة مستقلة تدير جلسة نقاشية بعنوان "نحو بنى تحتية مناهضة للهيمنة" مع يزن الخليلي ولارا خالدي (مسألة التمويل)؛ يواكيم هامو ونبيلة السعيدي (ترامبولين هاوس)؛ ليا غوردون (بينالي غيتو) في لقاء مارس. مؤسسة الشارقة للفنون 2024. تصوير: معتز موعد