يعد هذا المعرض مشروعاً بحثياً يحاول استكشاف النطاق الواسع للرسم وإمكاناته كممارسة فنية ذات جذور تاريخية، منطلقاً من دراسة متعمقة للأشياء الجديدة والتاريخية ضمن مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون، وجامعاً بين الأعمال الفنية عبر وسائط مثل الورق والخشب والصوت والفيديو، والتي يتم تحليلها في سياق ممارسات الرسم المعاصرة، المستوحاة من الأساليب والتقاليد الفنية التي تطورت على مدى قرون في ثقافات أفريقيا وآسيا ومنطقة المحيط الهادئ. يستكشف «الزمن مرسوماً: ثنائيات» وهو المعرض الافتتاحي ضمن سلسلة معارض هذا المشروع البحثي، مفهوم «الثنائيات» والاستجابات اللمّاحة، فمن خلال تصميمه وسينوغرافيته الخاصة توجّه مجموعة من الثنائيات الفنية المنسجمة والمتراقصة الزوار عبر قرن من الفن، رغم أن حركاتها تتسم أحياناً بالتنافر الدقيق أو الارتباط المنقوص، وعبر ترتيب تجاوري متقصد للأعمال الفنية، تساعد مواقعها في توضيح كيف تلعب العناصر المختلفة مثل الخط والحركة والأداء والإيماءة دوراً عبر أشكال متعددة من الوسائط. يضم المعرض أعمالاً لـ 15 فناناً من أجيال مختلفة يبتكرون خرائط نابضة بالألوان والملمس عبر الأصباغ والورق والخطوط والعلامات التي تتبدى من خلال حركات حرة ومقيدة، على شكل إيماءات تعرض صورة مركّبة عن ماهية الرسم والإمكانيات التي يمكنه تحقيقها في الوقت الحاضر وتشمل قائمة الفنانين المعروضة أعمالهم كلاً من: آمال قناوي، بايا، منير كنعان، كلوديت جونسون، ديفيد كولوان، إدوارد بوتيربروت، فريدة لاشاي، حسن شريف، هيلين خال، إبراهيم الصلحي، إبراهيم مسعودة، كمالا إبراهيم إسحاق، كيماثي دونكور، عمر خيري، وثيستر غيتس. تجلّى معرض "الزمن مرسوماً: ثنائيات" بعد اقتناء أعمال جديدة للفنانة كلاوديت جونسون، التي تعد من أبرز الشخصيات في حركة الفنون السوداء في بريطانيا في الثمانينيات، حيث اعتبرت جونسون صورها السياسية المركبة شكلاً من أشكال الرسم، بغض النظر عن مخططها أو سطحها أو الوسيط المستخدم فيها، وقد اختير عرض عملين من سلسلة الفنانة "أشكال واقفة" (2021)، وهي بورتريهات بالحجم الطبيعي تبدو للوهلة الأولى أنها بورتريهات شخصية لجونسون، لكنها في الواقع عبارة عن أجسام مزدوجة، ونماذج بديلة، وأشكال متراصة، وبقايا من الواقع اليومي وأحلام اليقظة اليومية. أفضى مجاز «الثنائي» باعتباره مساحة للتعويض إلى إدراج الفنانين آمال قناوي وهيلين الخال وإبراهيم مسعودة، بالنظر إلى معاناتهم من جراح داخلية عبروا عنها في هذا المعرض من خلال التصوير الرمزي والتجريد. وعلى النقيض من ذلك، يتساءل حسن شريف في عمله «أشياء في غرفتي» (1982) عن أهمية المقتنيات الشخصية من خلال أغراض ملموسة، ويصور المشغولات اليدوية الاعتيادية كأدوات لسرد الجوانب المشتركة للتجارب الحياتية، على الرغم من أن تجربة رسم الزمن لا تبدأ بهذه التوضيحات ولا تنتهي عندها. يضم المعرض أيضاً أرشيفاً عن حياة وأعمال الفنان السوداني الراحل عمر خيري (1939-1999)، حيث تُعرض عدة صفحات، مطبوعة ومكتوبة بخط يده، من مخطوطة بعنوان: "سيرة سكونكوكور الذاتية"، الصادرة عام 1972، وتقدم تفاصيل عن حياة شخصية جورج إدوارد سكونكوكور، المستكشف الطموح (وشخصية خيري الأخرى)، الذي لم ينغمس في الجماليات الغربية فحسب، بل احتضن أيضاً تقاليد وثقافة موطن خيري، السودان. ومن خلال اندماج الحركة وتكاملها، تعرض لوحة ديفيد كولوان «مساعدون» (2016) شخوصاً يتكدسون لتشكيل مساحة روحانية مشتركة، ويقترن عمله بالصوت المرتعش للمغني بيلي فورستون في عمل ثيستر غيتس «بيلي يغني نغمة عظيمة» (2013)، حيث يثير تأريخ غيتس في هذا الفيديو للترنيمة شعوراً مألوفاً، مما جعل موسيقاه وكلماته شائعة جداً لدرجة استخدامها في الاحتفالات الدينية والعلمانية على السواء. «الزمن مرسوماً: ثنائيات» من تقييم الدكتور عمر خليف، مدير المقتنيات وقيم أول في مؤسسة الشارقة للفنون، مع ثريا كريدية، باحثة أولى في المقتنيات ومصممة مواقع، وخالد جعفر، مساعد قيّم في مؤسسة الشارقة للفنون.
تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.