يسلط هذا المعرض الضوء على إرث المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء والثورة الفنية التي أحدثها موظفوها وطلابها في أعقاب استقلال المغرب عام 1956، من خلال مزجهم الفن التجريدي بالتقاليد الفنية الإفريقية والأمازيغية المستوحاة من السجاد والمجوهرات وفن الخط ورسومات الأسقف في المنطقة، ما أفضى إلى تبلور فن جديد في المغرب نابع من التراث الأفرو-أمازيغي، ساهم في إطلاق انتفاضة ثقافية تنامت وشكلت المستقبل.
وانطلاقاً من تراث متعدد الثقافات، أدخل العاملون في المدرسة وطلابها الفن إلى الحياة اليومية، عبر استخدام اللوحات والملصقات والمجلات والجداريات الخارجية ومهرجانات الشوارع، وساهمت هذه «الموجة الجديدة» في تفعيل حراك اجتماعي وحضري ساعد في نهاية المطاف على بناء حركات تضامن فني بين أميركا اللاتينية وغرب آسيا وإفريقيا.
يستكشف المعرض هذه الرؤية الاستثنائية، والتي قادها خمسة فنانين ومعلمين بارزين هم: فريد بلكاهية، محمد شبعة، بيرت فلينت، توني (أنتونيلا) مارايني، ومحمد المليحي، بالإضافة إلى فنانين أخرين ساهموا في التاريخ الفني للمدرسة، وقدموا لوحات تجريدية، وجداريات حضرية، وأعمال طباعة ورسوم غرافيك وتصميم داخلي. وينقسم المعرض إلى عدة منصات وأنماط تتّبع تاريخ المدرسة وتأثيرها في الفن الحداثي في إفريقيا والعالم، حيث أسس نهجها التجريبي في التعليم لنهضة فنية في المغرب، وذلك عبر عمل المدرسين مع طلابهم على تفكيك الأساليب والأنماط الغربية التي دُرِج على تدريسها، على غرار تأطير الرسم باللوحة، فانتقلت الحصص إلى تشجيع البحث في التراث الإفريقي والأمازيغي، والذهاب في رحلات لدراسة الآثار المحلية وصناعة الخزف والخط واللوحات الدينية «الزخرفية» وتقنيات النسيج والمشغولات الجلدية والحلي والوشوم. كما أعاد الطلاب إحياء تقاليد الحِرف التي اعتبرها التدريس الغربي أعمالاً نفعية أو زخرفية فقط، فعمدوا إلى إضافة الخط والرموز التزيينية والأشكال الروحية الهندسية، واستخدام المواد المحلية مثل النحاس والجلد والخشب والصوف، فبدأت التقاليد في إلهام المستقبل، بدلاً من كونها جزءاً من الماضي فحسب.
التصميم في خدمة الحياة اليومية طوّر فنانو المدرسة العليا رؤية زخرفية في العديد من المواقع ومشاريع البنية التحتية في كل من الدار البيضاء والرباط. وبين عامي 1967 و1982، عملوا على تصميم المكتب السياحي الوطني في الدار البيضاء، والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية، والمصانع والمستشفيات والجامعات ومراكز العطلات والفنادق المبنية حديثاً، إذ جمع الفنانون والمعماريون بين الفن والحرف والعمارة، واعتبروا الردهات والجدران والأسقف والأثاث وتجهيزات المباني بمثابة «مساحات تشكيلية» تتوق إلى تدخّل إبداعي.
تصميم الغرافيك بحسب ما قاله مدرّس المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء محمد شبعة: «الملصق لوحة يمكن للجميع الوصول إليها». استخدم فنانو المدرسة تصميم الغرافيك لعرض أعمالهم الفنية ضمن منافع الحياة العامة، وعمدوا خلال ورشهم إلى تعزيز الوسائط التقليدية مثل الرسم بالاعتماد على استراتيجيات التصميم، حيث جمع المدرّس محمد المليحي الرسم مع الكولاج وأسس استوديو طليعي للتصوير الفوتوغرافي، في حين درّس شبعة الديكور والسينوغرافيا والخط الجديد. كما تعاون المليحي وشبعة على تصميم مجلة أنفاس، التي وصفها المليحي بـ «مزيج محفّز للفكر يجمع الشعر والأدب والنقد الثقافي»، وتطلعت إلى تخليص الفنون والثقافة المغربية من الاستعمار وإتاحتها للجميع.
«مدرسة الدار البيضاء: منصات وأنماط الحركة الطليعية لمرحلة ما بعد الاستعمار 1962-1987» من تقييم مراد منتظمي ومادلين دي كولنيه من «زمان للنشر والتقييم»، وحور القاسمي، رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، ومي القايدي، قيّم مساعد في مؤسسة الشارقة للفنون، والباحثتين المشاركتين فاطمة الزهراء لكريسا ومود هسيس.
تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.
تأسس غاليري تيت سانت آيفز عام 1993 وشهد توسعاً في عام 2017، وهو يعرض الفن الحديث والمعاصر من مقتنيات تيت، بالإضافة إلى المعارض المؤقتة والتكليفات الجديدة والبرامج التعليمية والبحثية. كما يشرف الغاليري على إدارة متحف باربرا هيبوورث وسكالبتشر غاردن، ما يجعله غاليري تيت الوحيد الذي يقدم برنامجاً مخصصاً لإقامة الفنانين. حصل متحف تيت سانت آيفز على جائزة أفضل متحف من صندوق الفن لعام 2018، وهي أكبر وأرقى جائزة خاصة بالمتاحف في المملكة المتحدة.
تستشكف زمان للنشر والتقييم، بإدارة مراد منتظمي (من مواليد 1981 في بولوني بيانكور، فرنسا) ومادلين دي كولنيه (من مواليد 1979 في فرساي)، السرديات البديلة للحداثة البصرية عبر العوالم العربية والإفريقية والآسيوية. تكمن المهمة الأساسية لهذه المنصة المتخصصة بالتقييم والكتب في نشر رؤى كوزموبوليتانية جديدة في الفن والصور عبر الدراسات (المونوغراف) وكتب الفنانين، والأعمال المشتركة حول أفكار محددة ونحو ذلك. ومن مشاركاتها الأخيرة في المعارض: «مدرسة الدار البيضاء للفنون» بالشراكة مع تيت سانت آيفز، ومؤسسة الشارقة للفنون، وشيرن كونستال فرانكفورت (2023-2024)؛ «موناكو-الإسكندرية. لو جراند ديتور. مدن العالم والسريالية العالمية» في المتحف الوطني الجديد في موناكو (2021-2022)؛ و«محمد المليحي وأرشيف مدرسة الدار البيضاء»، ماكال، مراكش (2019-2020)؛ و«بغداد مون آمور» في معهد الثقافات الإسلامية، باريس (2018).