يأتي "بينالي الشارقة 15: التاريخ حاضراً" الذي قيّمته حور القاسمي، رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، تجسيداً لرؤية الباحث والناقد الراحل أوكوي إينوزور، وما أحدثته أفكاره وتصوّراته من أثرٍ هائل على الفن المعاصر، والتي أفضت إلى صياغة مشروع فكري طموح رسَمَ معالم تطور الكثير من المؤسسات والبيناليهات حول العالم.

تستدعي حور القاسمي مفهوم "التاريخ" وفقاً لما طرحه إينوزور وتعيد صياغته من جديد، في مسعى منها إلى وضع الماضي في سياق اللحظة المعاصرة، من خلال تبنّي منهجية عملية تعلي من البديهي جنباً إلى جنب مع المعرفي، والتدليل على أثر تقييم إينوزور للنسخة 11 من ديكيومنتا على مفاهيمها ومقارباتها للتقييم الفني، بالتوازي مع تثمينه لعلاقة القاسمي المديدة مع بينالي الشارقة سواء كزائرة أو فنانة أو قيمة أو رئيسة لمؤسسة انبثقت عن هذا البينالي.

يركز بينالي الشارقة 15 على ماضي الشارقة الحي، عبر عالم متعدد الثقافات وعابر لها يتجسد من خلال ما يزيد على 300 عمل فني لما يزيد عن 150 فناناً محلياً ومن جميع أنحاء العالم، والتي سيتم تنصيبها في خمس مدن على امتداد الإمارة، إذ عمد الفنانون المشاركون إلى تطوير ممارسات نقدية للتفاهمات الأحادية للنزعة الوطنية والتقاليد والعرق والجندرية والجسد والخيال، ولتندرج هذه الروح النقدية في ثيمة البينالي وتقاطعاتها.

يشكّل مقترح إينوزور حول "تجمعات ما بعد الاستعمار" وتعدد مفاهيمه الأساسية منطلقاً نحو حوارية بينالي الشارقة 15 حول مفهوم الذات في مرحلة ما بعد الاستعمار، والجسد بوصفه مستودعاً للذكريات، والهجونة والاندماج، واسترجاع المعروضات المتحفية، والنظرة العنصرية، والاستمرارية عبر الأجيال، والحداثات الكونية، والتأصيل وتفكيك الاستعمار.

تصادف هذه النسخة من البينالي مرور ثلاثين عاماً على نسخته الأولى، وتشكّل فرصة فريدة لتأمل إرثه الثقافي وتأثيره التاريخي، والإمكانيات الفنية التي أتاحها، ودوره في وضع الشارقة على خارطة الخطابات الفكرية والفنية العابرة للحدود من جهة، وكونه يمثّل لحظة مفصلية تتيح للمؤسسة تأمل مسارها المؤسسي وفقاً لموقعها الجيوسياسي الفريد، ومواصلة التزامها الدائم تجاه الجمهور المحلي في ربوع الإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، وذلك عبر الأنشطة التعليمية والبرامج المتنوعة التي تتضمن عروضاً أدائية وموسيقية وسينمائية.

يقتفي بينالي الشارقة 15 خطى دوراته السابقة، ويتأسّس على دورَتَي 2021 و2022 من لقاء مارس- ملتقى مؤسسة الشارقة للفنون السنوي للفنانين والقيّمين والممارسين الفنيين المكرس لاستكشاف أبرز القضايا في الفن المعاصر- واللّتين جاءتا كمقدمة عامة للبينالي. عاين "لقاء مارس 2021: تجليات الحاضر" تاريخ بينالي الشارقة على مدى 30 عاماً ومستقبل نموذج البينالي عموماً، في حين ناقش "لقاء مارس 2022: متحوّرات ما بعد الاستعمار" إرث الاستعمار وآثار ما بعد الاستعمار والتأثيرات المعاصرة للقضايا المرتبطة بالممارسات الثقافية والجمالية والفنية في جميع أرجاء العالم. وفي غضون بينالي الشارقة 15، سيواصل "لقاء مارس 2023" المزمع إقامته في الفترة ما بين 9 - 12 مارس 2023، استكشاف موضوعات البينالي وثيماته المتنوعة.

إنّ "بينالي الشارقة 15: التاريخ حاضراً" أصبح ممكناً بفضل مجموعة العمل الداعمة للبينالي، والتي تضمّنت كلّاً من: طارق أبو الفتوح (مدير قسم فنون الأداء في مؤسسة الشارقة للفنون)؛ أوتي ميتا باور (أستاذ جامعي والمدير المؤسس لمركز الفن المعاصر في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة)؛ صلاح محمد حسن (أستاذ جامعي ومؤرخ فني، جامعة كورنيل، ومدير معهد إفريقيا، الشارقة)؛ تشيكا أوكي-أجولو (أستاذة جامعية ومؤرخة فنية، جامعة برينستون)؛ وأوكتافيو زايا (قيّم مستقل وكاتب فني ومدير تنفيذي لمؤسسة الفن الكوبية)؛ بالتعاون مع اللجنة الاستشارية التي تضم: السير ديفيد أدجاي (مهندس معماري)، وكريستين طعمة (مديرة أشكال ألوان، بيروت).

7 فبراير–11 يونيو 2023

في جميع أنحاء الشارقة