نموذج ريّس وطوقان لرياض الأطفال في الإمارات العربية المتحدة عام 1973

منى المصفي وداليا شبارق

في بلدة كلباء الواقعة على الساحل الشرقي لإمارة الشارقة، شمال حدود دولة الإمارات العربية المتحدة مع عمان، تتواجد روضة أطفال مهجورة تم بناؤها عام 1979. يتكون المبنى من 12 غرفة دراسية وهو عبارة عن مجموعة من العناصر المهملة الرازحة تحت طبقة سميكة من الغبار - الكتب والألعاب والكراسي وكتل المباني وألواح التلوين والطباشير. لا يزال من الممكن العثور على أراجيح صدئة وزحافات ودواوير في الباحة الرئيسية.

 

 روضة كلباء هي إحدى رياض الأطفال التي تم بناؤها في مواقع مختلفة في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة والتي استندت إلى نموذج صممته شركة الهندسة المعمارية رياس وطوقان التي تتخذ من بيروت مقراً لها، وهي شراكة بين المهندس المعماري اللبناني جورج رياس والمهندس المعماري الفلسطيني الأردني جعفر طوقان. يقع المبنى الذي تبلغ مساحته 3,254 متراً مربعاً على قطعة أرض شاسعة تبلغ مساحتها 13,758 متراً مربعاً، وهو محاط بجدار من كتل خرسانية مصفوفة في أشكال متماوجة - مع أسطح هرمية مميزة يمكن رؤيتها من الشارع. تقع واجهة روضة الأطفال قبالة خليج عمان وتحدها جبال الحجر من الخلف، وتحتوي على فناء مفتوح. عند دخول المبنى، يتفاعل المرء مع التدرج الحساس والتسلسل السلس للمساحات المفتوحة والمغلقة المنظمة ببراعة، والتي رافقت طقوس المدرسة اليومية للأطفال: ساحات كبيرة ومفتوحة، وصالات عرض مغطاة، ومساحات داخلية مشتركة، وغرف دراسية صغيرة وباحات جذابة. تشعر في داخل المبنى بوجود انسيابية بين المساحات الداخلية والخارجية، وأوقات التعليم واللعب.

 

 منذ الانطلاقة الأولى لنظام التعليم العام في دولة الإمارات، وقع الاختيار على مخططات النماذج المعمارية الأولية المتسمة بالكفاءة في تلبية الاحتياجات التعليمية الملحة للدولة. كان هدف نموذج رياض الأطفال في شركة رياس وطوقان هو معالجة الموجة الهائلة من تسجيل الطلاب التي أعقبت قراراً حكومياً يقضي بتسهيل التعليم وإلزامه مع توحيد الإمارات. حل التصميم المكون من 12 غرفة دراسية والذي صممته وزارة الأشغال العامة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم محل نموذج الروضة الأولي المؤلف من ثماني غرف دراسية فقط.1 قدمت شركة رياس وطوقان التصميم في عام 1974، واُستخدم لأكثر من عقد من الزمن في بناء رياض الأطفال في دبي وعجمان والفجيرة. في عام 1987، حل مكانه نموذج جديد صممته وزارة الأشغال العامة، أيضاً مع 12 غرفة دراسية، لكن هذا التصميم قدم هيكلاً مستديراً حديثاً، وذلك على اعتبار أنه أكثر جاذبية للأطفال مع تسهيل الإشراف على البالغين أيضاً. 2

 

يعالج تصميم رياس وطوقان إعادة تفسير العمارة العامة وترتيب الكتلة وحجمها إنسانياً. يعتمد مخطط الفناء الداخلي على مفهوم الكتلة وفق طابق واحد بما ينظم مساحات تعليمية محددة متصلة بمناطق التقارب الأساسية المشتركة. تشكل الباحة ملعباً في الهواء الطلق، وهي محاطة برواق مغطى يقدم الظل والتهوية في المربع الإداري - يقع بالقرب من المدخل، مع منطقة استقبال وانتظار، وغرفة المدير وغرفة الموظفين - وجناحين تعليميين يقعان على كل جانب. ترتبط مداخل الجناح بشكل أكثر مباشرة من خلال ممر مغطى يعبر الفناء، ويمتد إلى المناطق الداخلية لتحديد الكتلتين المفتوحتين اللتين تشكلان كل جناح.

 

 

من المرجح أن يتوافق الجناحان مع مستويين تعليميين في روضة الأطفال - السنة الأولى والثانية. ورغم اختلاف عدد الطلاب من سنة إلى أخرى، إلا أن المبنى يمكن أن يستوعب ما يقرب من 365 طفلاً.3  يتكون مخطط الأرضية من وحدات مربعة مع تميز كل جناح بمساحتين متعددتي الأغراض مع ثلاث غرف دراسية منظمة حول كل منها. يمتد ربط المساحات الداخلية والخارجية إلى الجناحين، حيث ترتبط كل غرفة دراسية بفناء خارجي مظلل خاص به. يمكن اعتماد مجموعة متنوعة من تكوينات الأثاث في الصفوف والمساحات متعددة الأغراض، وذلك نظراً لمرونة المخطط الكبيرة، وقابليته للتكيف. تسمح الأبواب القابلة للطي بإغلاق الغرف الدراسية بالكامل لتأمين بيئة هادئة خالية من التشتت أو فتحها بالكامل باتجاه القاعة متعددة الأغراض المجاورة، مما يعزز مفهوم قدرة المخطط على التكيف.4 على الرغم من ارتفاع سقف المساحات الداخلية، إلا أن نطاق وتكوين الصفوف الدراسية والقاعات المشتركة يخلقان بيئة جاذبة. يبدو أن المخطط وأسلوبه المعماري يستجيبان بشكل كامل لهدف تشجيع وقت اللعب مع وضع أسلوب تمهيدي للنظام الأكاديمي. 

 

من الناحية المعمارية، يبدو أن تصور المبنى جاء على أنه حياز مسيّج مع حزام خرساني أفقي موحد ومنظر هرمي مميز في السقف مع برج رياح متكامل. تتجمع الأسقف الهرمية الصغيرة البالغ عددها 12 سقفاً حول الأسطح الأربعة الأكبر والأعلى للمساحات متعددة الأغراض. من خلال إعادة تفسير معاصر لأبراج الرياح (البراجيل)، تدمج هياكل السقف التقنية التقليدية للتهوية والتبريد في تصميمها. تشتمل العناصر المعمارية المستدامة الأخرى على أعمدة خرسانية مكشوفة، وعوارض الربط، وهياكل السقف، وسقف مزدوج مع فجوة هوائية، وجدران خرسانية مزدوجة معشقة مع مواد لا تستدعي الصيانة تضمن العزل.

 

 

اتسمت رياض الأطفال المبنية وفق نموذج شركة رياس وطوقان في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة بأعمار متفاوتة. تم هدم أو إخلاء بعضها، وبعضها الآخر أعيد استخدامه لأغراض أخرى تتناسب مع سياق الموقع. عندما تم تشييد روضة كلباء عام 1979، كانت روضة الأطفال الوحيدة في المدينة، وظلت كذلك لسنوات عديدة، ولكن في الآونة الأخيرة تحولت إلى موقع مهجور.5 في عام 2016، اقتنتها مؤسسة الشارقة للفنون التي تخطط لتكييف مساحتها لتكون بمثابة مركز مجتمعي لكلباء والمناطق المحيطة بها. منذ أن اقتنتها المؤسسة، أصبحت موقع عمل للفنان محمد بورويسة في بينالي الشارقة 14 بعنوان "بليدة-جوينفيل" (2018-2019)، والذي استعاد حوارية متصلة بهندسة وتاريخ مستشفى للأمراض النفسية في الجزائر والهيكل الحالي لروضة كلباء.

 

يستعيد نموذج الروضة لرياس وطوقان الأساليب المبتكرة لتصميم المؤسسات التعليمية منذ الستينيات، مثل دار الأيتام في أمستردام من تصميم المعماري الهولندي ألدو فان إيك، ومدرسة مونتيسوري في دلفت من تصميم المعماري الهولندي هيرمان هيرتزبيرغر. تشترك المشاريع الثلاثة في الإخلاص لمفهوم إنشاء مجموعات من المساحات التعليمية المحددة التي تتقارب في نقطة النشاط الاجتماعي. كما أنها تُثري المناقشة الحداثية من خلال تلبية الاحتياجات البشرية مع الاهتمام بالحجم والتوزيع والترتيب المكاني. يعكس تاريخ تكليف شركة رياس وطوقان مرحلة كان فيها التعليم قد احتل أولوية وطنية عالية في الإمارات العربية المتحدة، وأصبح إلزامياً لجميع الأطفال فوق سن السادسة. تم تقديم تعليم رياض الأطفال على مستويين للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربعة وستة أعوام في بيئة مختلطة. واعتبر التعليم القوة التي تحفز المواطنين الإماراتيين على تولي مسؤولية مستقبل البلاد، 6بدلاً من الاعتماد على خبرات الوافدين. كان الوصول إلى التعليم العام مجانياً وميسراً من خلال توفير وسائل النقل والقرطاسية والأزياء الرسمية ووجبة يومية ومكافأة للطلاب المواطنين بناءً على مستواهم التعليمي.

 

كما أن مشروع روضة الأطفال يردد صدى حقبة كان فيها المهندسون المعماريون الإقليميون والدوليون يعملون برهافة حس عالية في الإمارات والخليج العربي. ينتمي المهندسان رياس وطوقان المشهوران إقليمياً إلى مجموعة من الشركات والمعماريين الحداثيين، والتي ضمت أيضاً فيكتور بشارات ورفعت الجادرجي، وذي آركيتيكس كولابريتيف، وبيج آند بروتون. جميعهم كانوا نشيطين في الإمارات العربية المتحدة في فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حيث صمموا وأنتجوا المباني الحديثة التي راعت البيئة والثقافة، ولبت المتطلبات والاحتياجات الجديدة للدولة الناشئة. نجحوا معاً في إنشاء هوية معمارية جديدة من خلال إعادة تفسير وصياغة نماذج العمارة التاريخية والعناصر التقليدية، إلى جانب مواكبة النقاشات المعمارية الدولية الجارية في عصرهم في الوقت ذاته.

 
 

 

المراجع

1- وزارة الأشغال العامة بدولة الإمارات العربية المتحدة (1974)
2- قسم البحوث والدراسات، وزارة التربية والتعليم، الإمارات العربية المتحدة، تطوير التعليم في الإمارات العربية المتحدة، 1972-2012 (2013)
3- وزارة التربية والتعليم الإماراتية، التقرير السنوي (1983-1984)
4- تم الاستعانة بالرسومات الأصلية للنموذج الأولي من أرشيف المركز العربي للعمارة، بيروت.
5- وزارة الأشغال العامة والإسكان بدولة الإمارات العربية المتحدة، دور وزارة الأشغال العامة والإسكان في التنمية الوطنية (1980)
6- وزارة التربية والتعليم الإماراتية، التقرير السنوي (1972-1973)