عرض جديد، عرض للفنان برونو بيلتراو. الصورة © وانج بيرجمان

نظرة عامة

"عروض الشارقة" هو برنامج طموح لتقديم العروض الأدائية لمؤسسة الشارقة للفنون. ينطلق لأول مرة هذا العام، ويقدّم على امتداد موسمٍ كاملٍ، خمسة عروض أدائية فنية معاصرة وطليعية، تقام على مدى سبعة عشر ليلة عرض، من بداية شهر نوفمبر وحتى أوائل شهر يناير.

البرنامج هو دعوة للفنانين للتفاعل مع جمهور الشارقة واكتشاف إيقاعات المدينة وفضائها النابض بتنوعات بشرها وأصواتها وعمرانها وتحولات فصولها وتغيرات يومياتها.. على نحو مشترك وحميم، من خلال ابتكار تجارب محسوسة ومرئية يتلاقى فيها إبداع الفنانين المعاصرين مع التصميم الحضري لمدينة الشارقة وتراثها المعماري، وبمشاركة تفاعلية مع الجمهور.

لهذه الغاية، تمت دعوة فنانين من مختلف أنحاء العالم لتقديم أعمالهم، أو لإنتاج أعمال جديدة في شوارع المدينة وساحاتها ومسارحها وأماكنها العامة ومن وحيها واستلهاماً مباشراً من مناخات المدينة، وبالتفاعل مع الجمهور، سعياً لخلق مساحات للإبداع ترتبط بالمجتمعات المحلية المتنوعة وأماكن وجودها وطريقة حياتها وحركتها داخل المدينة.

تمزج الأعمال الفنية التي تندرج تحت مظلة الفن المعاصر بين الأنواع المختلفة من الفنون بإيقاع متسارع يجعل الحدود بينها غير واضحة، وفي بعض الأحيان تكون عصيّة على التصنيف. وتتحرك عروض فنون الأداء بحرية شديدة بين أنواع الفنون المختلفة، ما بين مسرح وفن تشكيلي وموسيقى ورقص معاصر وأعمال التجهيز الفني. وتساهم تلك الحرية في جعل كل عرض أدائي تجربة فريدة في حد ذاتها، وبشكل خاص عندما تتفاعل بشكل حيوي مع إيقاعات المدينة وأماكنها وتجمّعاتها، جمالياً وفكرياً.

علاوة على ذلك، يأتي انطلاق البرنامج هذا العام في لحظة شديدة الخصوصية، هي بدء عودة الجمهور تدريجياً إلى الأماكن العامة وقاعات العرض والمسارح، وذلك بعد فترة ليست طويلة من تجربة العزل إبان جائحة كورونا، التي عاشها كل فرد في المجتمع بشكل مختلف عن الآخر، كتجربة فريدة وخاصة.

بانتقاء مدروس، يحتفي البرنامج بإبداعات قدّمها فنانون من المنطقة والعالم، ولاقت نجاحاً ملحوظاً عند تقديمها لجمهورهم المحلي وخلال جولاتهم في العالم. يبدأ برنامج "عروض الشارقة" في بيت الشامسي التراثي في منطقة الشويهين، مع عرض من إخراج أحمد العطار بعنوان "كل حاجة حلوة"، وهو عرض لا يعتمد على ديكور أو أزياء، إنّما على القدرات الأدائية الاستثنائية للممثلة ناندا محمد وتفاعلها مع الجمهور، الذي تتم دعوته للمشاركة وحتى للارتجال معها، بما يمنح العمل في كل مرة احتمالات لا تحصى.

خلف حديقة الرولة، وفي إحدى أهم المناطق الحيوية المميّزة للمدينة، يقوم الفنان جو نعمة بتقديم النسخة التاسعة من عرضه الفني "أوتوموبيل"، الذي يتعاون من خلاله مع مالكي السيارات ذات مكبرات الصوت الضخمة، التي يتم استعمالها عادة في التجمّعات التي تحدث في الصحراء، وذلك لعرضها أمام الجمهور في وسط المدينة، مع ربط هذه الأجهزة الصوتية معاً، لتكوين منظومة ستيريو ضخمة تبثّ تسجيلات ميدانية متزامنة، قام الفنان بجمعها وتأليفها. هذا العمل "الصاخب" أشبه باحتفال بما يمثّل الصوت المشاغب والمرغوب في آن معاً. إنه تحية لروح الشباب ونبضهم الحافل بحب الحياة والاحتفاء بالموسيقى.

تشتهر فرقة ريميني بروتوكول المسرحية بأعمالها غير التقليدية والتي تعتمد على الاستخدام الفريد للتكنولوجيا والتفاعل مع الجمهور والمدينة، لتطوير رؤية غير اعتيادية عن الواقع. فعادة ما يكون المؤدّون في أعمال هذه الفرقة غير ممثلين، وإنما خبراء اكتسبوا معرفتهم ومهاراتهم في مجالات خارج المسرح.

تمت دعوة الفرقة لإنتاج نسخة خاصة بمدينة الشارقة من عرضها الشهير "ريموت إكس"، وهو العرض الذي تم تقديمه في عشرات مدن العالم. يحمل العرض اسم "ريموت الشارقة". وقد صُمّم خصّيصاً لساحات المدينة وشوارعها. ينطلق العرض من أمام المباني الفنية لمؤسسة الشارقة للفنون في منطقة المريجة حيث يسير الجمهور على الأقدام إلى العديد من المواقع الداخلية والخارجية، منها ما هو مألوف ومنها ما ليس كذلك، فيشعر المشارك وكأنه يرى الواقع على نحو مدهش وغير مسبوق، فيمرّ "الواقع" أمامه مثل مشاهد من فيلم سينمائي خيالي خاص به.

إلى بيت الشامسي يأتي عرض "بعد كل سبرينج ڤيل، كوارث ومدن ملاهي" للفنانة ميت وارلوب، التي تمزج في أعمالها بين الكوميديا الحركية والمسرح والفنون البصرية وفنون الأداء. معها، سيختبر الجمهور، البيت التراثي كما لم يره أحد من قبل، برفقة شخصيات العرض الغرائبية ذات الأجساد الهجينة، نصفها بشر ونصفها أشياء. يسرد العرض قصة تبدو مأساوية لجماعة فاشلة متورطة في أفعال غير متوقعة ومواقف سريالية لكنها مألوفة بشكل غريب، وذلك بخفة الرسوم المتحركة الكوميدية، وعبر سلسلة من الأحداث الصغيرة الدرامية التي تبدو خرقاء بشكل مقصود، رغم أنها تنمّ عن مغزى خفي.

يختتم برنامج الموسم فعالياته على مسرح أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، مع عرض استثنائي لمخرج ومصمّم الحركة البرازيلي الشهير برونو بيلتراو والذي لم يختر له عنواناً محدداً، ويتم تقديمه تحت اسم "عرض جديد". يعُتبر برونو بيلتراو من أهم مجدّدي فنون رقص الهيب هوب على مستوى العالم. حيث جمع ما بين تعلم وممارسة رقص الشارع والهيب هوب والرقص المعاصر ودراسة الفلسفة، مع قدّرة مميّزة على فهم جماليات خشبة المسرح والتعامل مع تقنياتها. في "عرض جديد" يتمّ دفع القدرات الجسمانية للراقصين إلى حدودها القصوى في حركات راقصة مكثّفة بشكل استثنائي، وكأنها تفكيك لحركات الهيب هوب واستكشاف مبتكر لخليط من مفردات رقص الشارع والرقص المعاصر، في أداء مبْهر مُشبع بالحماسة.

يصاحب برنامج عروض الشارقة برنامج تدريبي من الورشات والجلسات الحوارية واللقاءات مع الفنانين المشاركين، وذلك بالتعاون مع مختلف المؤسسات الفنية والتعليمية المحلية. هذا ويقوم برنامج عروض الشارقة في عامه الأول بتكليف فنانين بإنتاج أعمال جديدة في مختلف المواقع والأماكن في المدينة، كي يتم عرضها للجمهور في الأعوام المقبلة.

من خلال برنامج عروض الشارقة تدعو مؤسسة الشارقة للفنون الجمهور المحلّي لاكتشاف التقاطعات والمساحات المشتركة بين مختلف الممارسات الفنية بما تحمله من أفكار وقيم وجماليات، وذلك عندما ترتبط بشكل وثيق بخصوصية المدينة وسكّانها وفضاءاتها الحضرية، بما تحمله من أهمية تاريخية ومستقبلية.