عمل نهر في محيط للفنانة لالا روخ

يضيء معرض "إيقاع الجهات" على ممارسة الفنانة لالا روخ على امتداد ثلاثة عقود، والأعمال التي أنتجتها على خلفية الاضطرابات السياسية والحركات النسوية في باكستان، سواء الرسومات والمواد المطبوعة والفوتوغراف والفيديو، بما يضعنا حيال أول معرض استقصائي عالمي لأعمالها حتى تاريخه، وهو من تقييم الشيخة حور القاسمي، رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، وناتاشا جينوالا، إحدى قيّمات بينالي الشارقة 16 والمديرة الفنية لمهرجان «كولومبوسكوب» للفنون المعاصرة، ومحمود الصفدي قيّم مساعد في مؤسسة الشارقة للفنون.
يتضمن المعرض أعمالاً قلّ عرضها من بداياتها الفنية، إلى جانب ملصقات ومنشورات ومقابلات أصلية مع أشخاص تعاونت معهم أثناء عملها على الدفاع عن الحقوق المدنية والعدالة بين الجنسين، فضلاً عن بعض المواد الأرشيفية المهمة وأعمالاً من مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون، إلى جانب سلاسل، لم تعُرف على نطاق واسع، من سيجيريا وسريلانكا وساحل جاداني الباكستاني. ويعرض كذلك لأول مرة في المنطقة عملها الأخير «روباك» (2016)، الذي يمثّل تشابكاً انسيابياً بين صوغ العلامات والحس الموسيقي والصمت.
اشتهرت لالا روخ بالتزامها بالتربية والتعليم، حيث كان فصلها الدراسي ومنزلها في لاهور بمثابة مراكز حيوية للمناقشات والمناظرات والتعلم، وهذا ما جعلها شخصية محورية ثقافياً وفنياً، إذ حاضرت على مدار ثلاثة عقود في قسم الفنون الجميلة في جامعة البنجاب وفي الكلية الوطنية للفنون، وأسست برنامج الماجستير في الفنون البصرية.
كما أنشأت أيضاً «ثيرد سبيس سيمينار»، وهي منصة تعليمية مبتكرة مصممة لتشجيع الحوار المفتوح والنقدي بين الطلاب وتعزيز نهج حر في النقد والحوار الفني.
ولم يتوقف نشاط الفنانة عند الإنتاج الفني والتعليم، بل كانت إحدى أبرز الأسماء الفاعلة والمؤثرة في الدفاع عن الحقوق القانونية والمدنية، إذ ساهمت في تأسيس مجموعة «سيمورغ» النسوية في باكستان، والتي ركزت على الأبحاث والمنشورات ومناصرة قضايا المرأة، وكان من أبرزها دليل «في الفناء الخلفي الخاص بنا»، الذي أصبح مصدراً حيوياً ومتاحاً لنشر الأفكار النسوية.
بالإضافة إلى أن ملصقات لالا روخ السياسية النضالية التي وزعت على نطاق واسع، مثّلت أدوات فاعلة في رصد الأوضاع الاجتماعية ومواكبتها.
بدأت لالا روخ ممارسة الرسم في السبعينيات أثناء دراستها في جامعة شيكاغو، وتمركزت أعمالها حول تنويعات في الشكل الراقص والموديل، وعند عودتها إلى لاهور في أواخر السبعينيات، واظبت على الرسم يومياً على الورق باستخدام قلم كونتيه، وطورت تدريجياً تقنيتها، متخذة من التقليلية نهجاً في عملها، حيث تطور التجسيدي إلى التجريدي على نحو شديد الدقة بالكاد يُلحظ.
يضم المعرض أيضاً الأعمال الفوتوغرافية التي التقطتها بين عامي 1992 و2005، وركزت فيها على الأسطح السائلة لعدد من الهياكل المائية في سريلانكا والهند ونيبال وميانمار، والتي تبدو كمشاهد تصوّر لحظات عابرة وتتأمل بهدوء مرور الزمن الوجود، ملتقطةً جوهر الكينونة والعدم في حركات التدفق والانحسار للمد والجزر.
ولعل أبرز سمات فن لالا روخ هي الطرق الجريئة لحفظ الوقت، حيث يستعرض «إيقاع الجهات» الأشكال المتنوعة التي اتخذتها الفضاءات الزمنية الزائلة خلال حياتها، والمتجليّة من خلال تدرّج ضوء القمر، أو موجة صاعدة، أو مسار رمال ساحلية، أو جلجلة جماعية في مظاهرات التضامن، أو خطوط واضحة لجسد حي.

السيرة الذاتية للفنانة

أنتجت الفنانة والناشطة والمعلمة لالا روخ (1948-2017) أعمالها الفنية في مجال الرسم والطباعة والتصوير الفوتوغرافي والفيديو وسط الاضطرابات السياسية والحركات النسائية في باكستان. تصوّر تكويناتها الشعرية الآفاق وحركة القمر والمسطحات المائية والسواحل والمواقع الأثرية، ملتقطة تدرجاً من الإيقاعات عبر مفرداتٍ مكثفة من الخطوط والشيفرات والسواد.
تأثرت ممارستها بشكل كبير بالخط العربي والموسيقى الكلاسيكية الهندوستانية، وهو نوع عرفت به بفضل ارتباطها الوثيق بالمؤتمر الشامل للموسيقى الباكستانية الذي أسسه والدها هيات أحمد خان في عام 1959.
حازت لالا روخ على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة البنجاب في عام 1970، ومن ثم حازت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة شيكاغو في عام 1976.
عملت لمدة 30 عاماً في قسم الفنون الجميلة بجامعة البنجاب والكلية الوطنية للفنون، حيث أسست برنامج الماجستير في الفنون البصرية في عام 2000. أسست أيضاً منتدى دعم المرأة (1981)، ومركز سيمورغ (1985)، وهو مركز للموارد والنشر النسائي في لاهور، وصندوق «فناني وصل» (2000).

حول مؤسسة الشارقة للفنون

تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.