عمل للفنان غافن يانتس من "سلسلة الشارقة" 2022. إنتاج مؤسسة الشارقة للفنون. تصوير: شانفاس جمال الدين

يقام معرض «أن تكون حراً» في لندن عقب عرضه للمرة الأولى في الشارقة العام الماضي، وهو العرض الأشمل والأكبر من نوعه لأعمال الفنان غافن يانتس، إذا يتتبع عبر أكثر من 100 عمل فني تنوع مسيرته ونزوعه الإبداعي نحو التغيير، ويحتفي بأدواره المتعددة كرسام وطبّاع، وكاتب وقيّم وناشط سياسي، مسلطاً الضوء عبر عدة فصول تمتد من عام 1970 إلى الوقت الحاضر، على مراحل جوهرية في حياته، كنضالاته المناهضة للتمييز العنصري منذ السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، والأدوار التي لعبها في تغيير المؤسسات الفنية في المملكة المتحدة وألمانيا والنرويج، وتصاويره التشخيصية الرمزية لنضالات السود في سبيل الحرية حول العالم، وصولاً إلى انتقاله مؤخراً إلى اللوحات التجريدية وغير التشخيصية.
مدفوعاً بسنوات تكوينه في كيب تاون إبان عصر الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، سعى يانتس بشكل متواصل نحو الانعتاق الفني، وحرية لا تقيدها النظرة الأوروبية أو توقعاتها تجاه الإبداع الأسود، من خلال خوضه في مسارات إبداعية متعددة شملت إلى جانب فنه، المبادرات التقييمية والمساهمات المكتوبة، التي تركت أثراً كبيراً على الفن الإفريقي وفن الشتات الإفريقي والفن العالمي المعاصر.
تشغل أعمال يانتس مساحات العرض في غاليري وايت تشابل على شكل سلسلة من الفصول، يركز كل منها على التطورات الرئيسية في ممارسته الفنية من خلال عرض شامل لمطبوعاته من السبعينيات إلى التسعينيات، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من اللوحات المبكرة خلال سنوات نفيه، لتقترح هذه الأعمال مقاربات جديدة وموسعة للوسائط المستخدمة فيها، لافتةً الانتباه في الوقت ذاته إلى أوضاع سياسية معينة في إفريقيا، حيث أن كتابات يانتس في تلك الفترة غالباً ما كانت تشير إلى كلمات الزعيم الثوري أميلكار كابرال: «لا حاجة لأن أذكرك بأن مسألة التحرر هي مسألةٌ ثقافية أولاً وأخيراً».

تعكس فصول المعرض الأخرى استكشاف الفنان للتاريخ الثقافي الإفريقي وتفاعلاته مع التقاليد الفنية التي واجهها خلال منفاه الأوروبي، كسلسلة «كورابرا» التي تسلط الضوء على تجارة الرقيق الأوروبية، ولوحاته الملحمية التي تكشف تشابك تاريخ الفن الإفريقي والأوروبي، بالإضافة إلى سلسلته «الزولو» (1986-1990) التي انتقل فيها من التمثيل التصويري والسرد الخطي نحو الرمزية والاستعارة والشعرية.

يعرض الفصل الأخير من المعرض لوحات يانتس الحديثة، والتي تعزز بحثه عن الحرية الفنية بما تمثله من تحول كامل عن التصوير ليصبح الانخراط في تنفيذ هذه الأعمال بمثابة تجربة شخصية متفردة وعميقة، بحيث يكون التفاعل موجهاً بشكل مستقل ومدفوعا بالزخم العاطفي للفنان والتأمل الذاتي والاستقلال في اختيار الموضوعات.

يصدر بالتزامن مع المعرض منشور جديد يوثق مسيرة الفنان بشموليتها، ويتضمن مقدمة بقلم حور القاسمي، ومقالة نقدية بقلم صلاح محمد حسن، إلى جانب مساهمات من الكتاب: أليسون يونغ، كيندل جيرز، لارس إلتون، داج إريك إلجين، وبريميش لالو.

«أن تكون حراً» من تقييم صلاح محمد حسن، مدير معهد إفريقيا وبروفيسور متميز في جامعة كورنيل، وجيلان توادروس مدير غاليري وايت تشابل، وكاميرون فوت قيّم غاليري وايت تشابل.

حول غاليري وايت تشابل

تأسست غاليري وايت تشابل عام 1901 بهدف تقديم الفن لسكان شرق لندن، ومنذ البداية، قدمت الغاليري برنامجاً جريئاً من المعارض والأنشطة التعليمية، انطلاقاً من الرغبة بالمساهمة في إثراء الساحة الثقافية للمجتمعات المحلية، وتوفير فرص جديدة للفنانين المتميزين من جميع أنحاء العالم، حيث أقيمت معارض فردية كبيرة لرواد الفن العالمي، مثل باربرا هيبوورث (1954)، جاكسون بولوك (1958)، هيليو أويتيكا (1969)، جيلبرت وجورج (1971)، إيفا هيسي (1979)، فريدا كاهلو (1982)، سونيا بويس (1988)، صوفي كالي (2010)، زارينا بهيمجي (2012)، إميلي جاسر (2015)، ويليام كنتريدج (2016)، ثيستر جيتس (2021)، ونيكول آيزنمان (2023).

حول مؤسسة الشارقة للفنون

تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.