نظرة عامة

كلّ من الأنسجة المزخرفة يصوّر آلة ميكانيكية غريبة، مع مربّعات تتضمن 25 صورة مختلفة، ولها مقابض على الحواف. وتصور تلك المربّعات أجزاء من صور فوتوغرافية ونقوش ورسوم زيتية وخرائط وكراريس، وصفحات من كتب تعود إلى حقب عدة. وترتبط المربعات بالمقابض بواسطة خطوط سرعان ما تساعدنا على أن ندرك أن هذه المربعات هي في حقيقة الأمر مكعبات تكشف جانباً آخر لم يكن ظاهراً، ربما يضمّ صوراً أخرى. فهل هذا بمثابة معجم بصريّ؟ أم أحجية؟ أم لعبة أطفال؟ أم "محرّك للمخيلة"؟

تكوّن الصور كلمات/ عوالم وحقب شديدة التنوع، إلا أنها تدفع المشاهد إلى التخمين بحثاً عن إشارة أو حلّ ما. أعتقد أن الإنسان يسعى دوماً إلى إيجاد صلة ما بين الأشياء المحتشدة ضمن حيّز واحد. وبعد أن يتأمّل الزوار النسيج المزخرف لبعض الوقت، فإنهم سيجولون بأبصارهم بحثاً عن الرقعة التي تتضمن عنوان العمل.

يوحي الجزء الأول من عنوان العمل، أيّ TXT، بكلمات Text أو Texture أو Textile، أو بالعربية "نص" و"بنية" و"نسيج"، وجميعها – أي الكلمات الإنجليزية، مشتقة من الكلمة اللاتينية texere، أيّ "النسج". يكتب روبرت برينغهورست في كتابه "عناصر الأسلوب التوبوغرافي" عما يسميه "الاستعارة القديمة" التي ينطوي عليها التعبير، ويقول: "الفكر خيط، والراوي هو من يقوم بغزل الحكايات، إلا أن الراوي الحقيقي، والشاعر الحقيقي، هو نسّاج. وقد حوّل النسّاخ أو الخطاطون هذا التجريد السماعي القديم إلى حقيقة جديدة مرئية. وبعد حقب من ممارسة هذا العمل، اتخذ عملهم بنية مرنة ومستوية حتى أنهم أسموا الصفحة المكتوبة textus أو نسيجاً".

وتسهم التجارة في تقريب اللغات من بعضها بعض، إذ من الأسهل استعارة كلمة قائمة على ابتداع واحدة جديدة. ونحو ٦٠ بالمئة من اللغات الإنجليزية هي كلمات مستعارة. فإذا كان ثمة كلمة متبناة من لغة أخرى، مع المعنى الذي تشير إليه، فإنها تسمى ببساطة "كلمة مستعارة". ومن هنا فإن تعبير "الكلمات الجوالة"، التي في العنوان، هو ترجمة حرفية للاسم الألماني الرائع Wanderwort، و"الكلمة الجوّالة" هنا هي نمط خاص من الكلمات المستعارة التي تمتد على ما لا يحصى من اللغات والثقافات، وتمتدّ على رقعة جغرافية شاسعة، من لغة إلى لغة، وليس من الممكن دوماً التيقّن من مصدر الكلمة الذي اشتقّت منه. ومن بعض الأمثلة على الكلمات الجوالة أذكر الزنجبيل والزعفران والسكر والقهوة والتبغ والشوكولا.

وقد استلهمت الآلة أو المحرّك الظاهر على الأنسجة من رسم على كليشيه خشبيّ لجان جاك غرانفيل نشر في نسخة عام 1838 من رواية "رحلات غاليفر" لجوناثان سويفت. وقدّ كانت هذه الرواية مصدر سلوى وإرباك للقراء منذ نشرها للمرة الأولى عام 1726 تحت عنوان "رحلات إلى أمم العالم النائية في الأقطار الأربعة". قام بها لمويل غاليفر الذي بدأ جراحاً ثم قبطاناً للعديد من السفن". والكتاب هو بمثابة عمل ساخر من أدب الرحلة واستكشاف تهكمي لعوالم السياسة والاستعمار والطبيعة البشرية. على جزيرة بالنيباري يزور غاليفر معهد لاغادو، وهو مؤسسة علمية قديمة، وهناك يرى آلة عملاقة تستعمل لصنع العبارات والكتب. وكلما أديرت مقابض الآلة تتولد سلسلة من التراكيب الكلامية العشوائية. ربما كان اختراع سويفت هذا هو من الأمثلة المبكرة التي تذكر بأجهزة الكومبيوتر الحديثة. وخلال جولة غاليفر برفقة دليل داخل معهد لاغادو، يرى أيضاً أشياء المراد منها التخلص كلية من الكلمات، لأن الكلمات ليست إلا مسميات للأشياء، ولهذا السبب فإن الناس يشعرون براحة أكبر حين يتعاملون مع الأشياء نفسها لا مع الكلمات.

تمّ غزل هذه الأنسجة على مغزل "جاكوار"، الذي يحمل اسم مخترعه جوزيف ماري جاكوار الذي ولد لعائلة من النساجين في ليون بفرنسا عام 1752. وكان مغزله هو أول مغزل يمكن برمجته، حيث كان يستعمل البطاقات المثقوبة لتخزين أنماط معقدة من الحياكة في صيغ تسمّى بلغة الكومبيوتر بالثنائية، مما مكّن من غزل أيّ نسيج يخطر بالبال، وسلم إلى الآلة عملاً كان قبل ذلك شاقاً مجهداً. وبذلك فقدّ ساهم جاكوار في تثوير صناعة الغزل، ولا يزال المبدأ الناظم لعمل مغزله هو المستعمل إلى يومنا هذا وإن استبدلت الآلية السابقة بالكومبيوتر. وقد طبّق المخترع الامريكي هيرمان هولريث التقنية نفسها لبناء أوّل ماكينة مولدة للبيانات. وفي العام 1911 باع شركته إلى التكتل التجاري الذي غدا لاحقاً شركة "إنترناشيونال بيزنس ماشينز" أو "آي بي أم". وكانت بطاقات جاكوار المثقوبة قد استعملت على نطاق واسع في الكومبيوترات الأولى بين الأربعينيات والسبعينيات من القرن الماضي. أما في وقتنا الراهن فقد استبدلت بالطبع بأساليب تخزين أخرى للمعلومات.


2013

شارك هذا المشروع في بينالي الشارقة 11

بتكليف من مؤسسة الشارقة للفنون

صورة للعمل الفني

‏TXT (محرّك الكلمات الجوّالة)

أنا تورفس
‏2012-2013

ستّة بسط جاكارد مزخرفة، صوف وقطن
275 × 325 سم كلّ منها
لقطة للعمل التركيبي
تعرض الصورة بإذن من الفنان
بتكليف من مؤسسة الشارقة للفنون

عرض جميع الصور
‏TXT (محرّك الكلمات الجوّالة) Image

‏TXT (محرّك الكلمات الجوّالة)

أنا تورفس
‏2012-2013

ستّة بسط جاكارد مزخرفة، صوف وقطن
275 × 325 سم كلّ منها
لقطة للعمل التركيبي
تعرض الصورة بإذن من الفنان
بتكليف من مؤسسة الشارقة للفنون

إغلاق الصور
‏TXT (محرّك الكلمات الجوّالة) Image

مواضيع ذات صلة

‏TXT(محرّك الكلمات الجوّالة)

أنا تورفس

يلعب التوتر القائم بين الصورة والنص دوراً محورياً في عمل أنا تورفس، بالإضافة إلى عمليات التخيّل والترجمة.